الحمد لله أكرمنا ببلوغ شهر رمضان , ومن علينا فيه بالتوفيق للصيام والقيام , أحمده تعالى وأشكره , وأتوب غليه وأستغفره .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وفق من شاء من عباده لطاعته فكان سعيهم مشكورا وحظهم موفورا .
وأشهد أن محمد عبده ورسوله أفضل من صلى وصام , وأشرف من تهجد وقام , صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ...
أخي المسلم ... أختي المسلمة ... وهكذا وبهذه السرعة الخاطفة أوشك شهر الصيام والقيام على الإنصرام , فها هو يتهيأ للرحيل , وقد كنا بالأمس القريب نستقبله ,
واليوم وبهذه السرعة الخاطفة نودعه , وهو شاهد لنا أو علينا , شاهد للمؤمن بطاعته وصالح عمله وعبادته , وشاهد على المقصر بتقصيره وتفريطه .
اخي المسلم ... أختي المسلمة ... ما أسرع مواسم الخير فى الزوال ؟ فقد ذهب نصف شهرنا المبارك وبقي نصفه الآخر , فالله نسأل لنا ولكم أن يتقبل ما مضى , وأن يعيننا على ما تبقى .
لقد نزلت علينا العشر الأواخر من رمضان , وفيها الخيرات والأجور الكثيرة وفيها الفضائل المشهورة والخصائص العظيمة .
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخص العشر الأواخر من رمضان بأعمال لا يعملها فى بقية الشهر , وإليك أخي المسلم هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعماله فى العشر الأواخر من رمضان .
أعمال النبى فى العشرة الأواخر من رمضان
أولا
اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - فيها فوق ما كان يجتهد فى غيرها . كما أخبرت به عائشة - رضى الله عنها - : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد فى العشر الأواخر ما لا يجتهد فى غيره ) " رواه مسلم " .
فكان يحيي الليل فيها , من صلاة ودعاء واستغفار ونحوه . كما جاء فى حديث عائشة - رضى الله عنها - : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله واجد وشد المئزر ) " متفق عليه " .
ومعنى يشد المئزر اى كان يعتزل النساء اشتغالا بالعبادة .
وتقول أم المؤمنين عائشة - رضى الله عنها - : ( كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يخلط العشرين بصلاة وصوم ونوم فغذا كان العشر شمر وشد المئزر ) " رواه أحمد " .
ثانيا
وكان هدي النبى - صلى الله عليه وسلم - فى العر الاواخر كان يوقظ أهله للصلاة والذكر والدعاء حرصا منه على اغتنام تلك الليلالى المباركة . كما أخبرت عائشة - رضى الله عنها - : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر
أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر ) وكان - صلى الله عليه وسلم - يطرق باب فاطمة وعليا ليلا فيقول لهما : ( ألا تقومان فتصليان ) .
ثالثا
وكان هدي النبى - صلى الله عليه وسلم - فى العشر الأواخر , كان يعتكف فيها . كما جاء فى حديث عائشة - رضى الله عنها - : ( كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يعتكف فى كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام
الذى قبض فيه اعتكف عشرين يوما ) " رواه البخارى " .
والاعتكاف هو لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله عز وجل , وهو من السنن الثابتة بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
كما قال تعالى : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون فى المساجد " ( البقرة : 187 ) وعن أبى هريرة - رضى الله عنه - قال : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف كل رمضان عشرة ايام وكان العام الذى
قبض فيه اعتكف عشرين يوما ) " رواه البخارى " .
وشرع الله عز وجل الاعتكاف حتى ينقطع المؤمن عن كل ما يكون سبب فى إنشغال القلب عن عبادة الله جل علاه . ولذلك ينبغى للمعتكف أن ينشغل بالذكر والقراءة والصلاة والعبادة وأن يتجنب ما لا يعنيه من حديث الدنيا .
رابعا
ومن هدي النبى - صلى الله عليه وسلم - فى العشر الأواخر أنه كان يتحرى ليلة القدر , التى تقع فيها . والله سبحانه سماها ليلة القدر لعظيم قدرها وشرفها وجلالة مكانتها عنده . ولكثرة مغفرة الذنوب وشد العيوب فيها و ولأن المقادير تقدر وتكتب فيها
وقد خص الله تعالى الليلة بخصائص كثيرة منها
أولا
نزول القرآن الكريم فيها . الذى به هداية البشر وسعادتهم فى الدنيا والآخرة والمعجزة الخالدة . قال تعالى : " إنا أنزلنه فى ليلة القدر " .
ثانيا
وصفها بأنها خير من الف شهر , أى أكثر من ثمانين سنة , قال تعالى : " ليلة القدر خير من ألف شهر " .
ثالثا
وصفها بأنها مباركة , أى كثير البركات والخيرات , كما قال تعالى : " إنا أنزلنه فى ليلة مباركة " .
رابعا
أنها تنزل فيها الملائكة والروح أى يكثر تنزل الملائكة فى تلك الليلة لكثرة بركتها فينزلون إلى الأرض للخير والبركة والرحمة . والروح هو جبريل - عليه السلام - بالذكر لشرفه ومكانته , قال تعالى : " تنزل الملائكة والروح فيها " .
خامسا
وصفها بأنها سلام , أى سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا أو يعمل أذى أو سلام للمؤمنين من كل مخوف لكثرة من يعتق فيها من النار ويسلم من عذابها . كما قال : " سلام هى حتى مطلع الفجر " .
سادسا
كما قال تعالى عنها " فيها يفرق كل أمر حكيم " يعنى يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة ما هو كائن من أمر الله تعالى فى تلك السنة من الأرزاق والآجال والخير والشر وما يقدم به لعباد من أعمال وغير ذلك ,
وقوله تعالى " كل أمر حكيم " أى أوامر الله المحكمة المتقنة التى ليس فيها ضلل ولا نقص ولا سفه ولا باطل ذلك تقدير العزيز العليم .
سابعا
أن الله يغفر لمن قامها إيمانا واحتسابا ما تقدم من ذنبه . أخبر به النبى - صلى الله عليه وسلم - ( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) " متفق عليه " .
إيمانا أى تصديقا بوعد الله بالثواب عليه . احتسابا أى طلبا للأجر لا لقصد آخر من رياء ونحوه .
ثامنا
أن الله أنزل فى فضلها سورة كاملة تتلى إلى يوم القيامة تتلى بين الناس .